" مـــيــلائـكة الـفـردوس الـمـفـقـود " حائزة على جائزة وشهادة تقدير ( ۞ نـــاثـر الـــورد ۞ )

26‏/06‏/2012

(((... مـــــيــلائـكـة الـفـردوس الـمـفـقـود ...)))



سافرتُ إلى إحدى البلدان المجاورة لأنتقي بعناية شديدة بعض الهدايا المميزة لـ "ميلا". اخترتُ أحلاها وأفضلها بحسب سنها الصغير،واحتفظتُ بها حتى يحين الوقت المناسب لزيارتهم. كنت أنتظر مناسبة هامة أحيي فيها رباطي الخالد بهم. تُذكرت أن دخول السنة قريب، فقررت أن أذهب إليهم يوم الأربعاء مطلع السنة الجديدة.
أخذتُ الهدايا وذهبتُ إلى دار "ميلا". جئتُها بلهفة عارمة تختلج بين الأوردة، وقلتُ في نفسي:ستفرح "ميلا" كثيراً بالهدايا، ولن تنام من شدة سعادتها. عند وصولي الدار رأيت الباب وقد تراكم عليه الغبار، والزهور حزينة بجانبه، ورماد المواقد قد تناثر في الحديقة، والعصافير شاحبة...
- أين ذهب أهل الدار ..!؟
سقطت الهدايا من يدي. كظمت حسرتي واغرورقت عيناي بالدموع...
- أكادُ لا أصدق،ماذا حدث؟ ولماذا لم يخبرني والدها الكريم؟!
- أين ذهبت بهجة نفسي ..؟
- أين ذهبت سعادتي ..؟
كدت أجُن مما حدث. إنها الفاجعه الأليمة. فقدت أغلى شيءٍ في حياتي "ميلا".
"ميلا"، هكذا كان يسمّيها أبوها صاحب الثغر الباسم .. عمرها لم يتجاوز الست سنوات، كانت إحدى هدايا السماء لي، كانت طيراً ملائكياً، تعبق بالطهارة والنقاء، انتشلت أشلائي من وسط الأنقاض والركام ولملمت جراحي ومنحتني أعظم نشوة في الحياة: السعادة والإبتسامة.
- ماذا أفعل ...؟
تهتُ وتاهت أشلائي الملتئمة، سأرجع إلى ذاكرتي المُختنقة، إلى الذكرى التي أكادُ أفقدها من هول المصيبة، حاولت تجميع الأوراق ورسم الخريطة للعثور على طريقة ..!!
وجدت خيطاً من الخيوط المتشابكة الملتصقة بذاكرتي :
(حبوه زوينة) جدة "ميلا" التي تحبها كثيراً، كانت تذهب إليها دائماً وتعود إليَّ بحكاياها الجميلة، تحكي لي غضبها عليها عندما لاتسمع أوامرها، وتقص علي ماترغب من مواقفها الظريفة معها.
نعم سأذهب إليها لعلها تُنقذني وتدلني على مكان وجود "ميلا"،وتخبرني عن سبب رحيلها عن الدار ..؟
ذهبتُ إليها، بيتها بعيد جداً عن دار "ميلا"، قرعتُ الباب برغبة المرتجي،
فتحت لي الباب...؟
انقضضتُ على قدميها وقبلتهما وقلت لها بصوت الباكي المتوجع :
- أين بهجتي أين سعادتي أين ميلا ...؟
انهملت دمُوعها، وقيَّد الصمت بوحها، وأودعه القضبانَ بإحكام، لم أستطع التفكير، كتمتُ أنفاسي،وازداد تغلغل النار في صدري، كادت تحرقني، عدتُ من عندها بخُفَّيْ حُنين.
- لابد أن هناك سبباً لرحيلهم ...!!!
- ماذا أصنع ماذا أفعل ...؟؟؟
تذكرتُ السمكة التي أهدتني إياها "ميلا"، اصطادتها هي وعمها (ناصر) عندما خرجوا في رحله ترفيهية، كانت أجمل هدية من "ميلا"، سأذهب إذن إلى عمها (ناصر)، ولكني لا أعرفه ولا أعرف أين يسكن.
أرى كل الأبواب تُغلق في وجهي وأنا محطم التفكير.
يا له من يوم متعب وحزين سأعود إلى البيت وآخذ قسطاً من الراحة لعل ذاكرتي تستعيد ما تبقى منها.
.........
-        "ميلا" "ميلا" "ميلا" هيا استيقظي سنذهب أنا وأنتِ إلى مزرعتنا الرائعة سأزرع لكِ وردةً بجوار مظلة السعف وسأسميها باسمكِ المقدس، إن لم تستيقظي فسأنتزعُ خصلة من جدائلكِ الكستنائية الجميلة.
"ميلا" : حسناً حسناً سأستيقظ، لقد قطعت نومي،وكنت غارقه في سحابة الأحلام.
-        اذهبي واغسلي وجهك ولاتنسي أيضاً أسنانك إلى أن أنتهي من إعداد الحساء.
عندما فرغت جاءتني تهمس في إذني بنبرة المنزعج: أنا لا أحب الإفطار بتاتاً.
-        أنا أعلم ذلك "ميلا" لكن لابد من تناول وجبة الإفطار ياحبيبتي، سنتناولها معاً وسنذهب إلى المزرعة ومن بعدها سأجلب لك العلبة الوردية من السوق ...!!!
وما إن قلتُ العلبة الوردية حتى فرحت جداً وقالت :
-        حسناً إذن سأتناول الحساء بأكمله.
-        بشرط، لاتخبري أمكِ بذلك.
قالت لي بإبتسامة الطهارة المخبئة بين وجنتيها: أعدك بذلك.
حملت معي الفأس وإصيص الوردة.
-        ساعديني "ميلا" واتيني بالدلو.
"ميلا" :حسناً.
ونحن نمشي إلى المزرعة:
-        "ميلا" هل ترين تلك الحظيرة ..؟
"ميلا" : نعم
-        إنها لي وحدي، وهل ترين تلك الخراف ..؟
"ميلا" وهي واقفة ترى الخرفان مذهولة من كثرتها: نعم.
-        تخيَّري أياً منها وسأهديكِ إيَّاه.
اعتلاها الفرح وكادت تنسى الدلو وهي تغرق النظر في الخرفان.
-        آسف حبيبتي "ميلا" أخشى أن أكون قد أتعبتكِ بحمل الدلو.
"ميلا" : لاتخشى شيئاً إنه خفيف وأنا أقدر أن أحملك أنت.
كدتُ أستلقي على الأرض من كثرة الضحك:
-        أنتِ تحملينني ..!!!
لازلتِ صغيرة ولاأظنك سوف تحملينني حتى عند الكبر.
ميلا بصوت العناد :
-        أستطيع بل أستطيع أكثر من ذلك.
-        لقد تأخرنا هيا يا "ميلا" أريد أن أحضر لكِ العلبة الوردية عندما ننتهي.
وصلنا إلى مظلة السعف التي عقدت النيه على زرع الوردة بجوارها.
-        "ميلا" انظري إلى تلك البركة، هل تستطيعين أن تملئي الدلو حتى أنتهي من الحفر ..؟
-        "ميلا" : نعم نعم إنه أمر بسيط للغاية.
-        "ميلا" تعالي حان وقت وضع الوردة في الحفرة سنحمل الوردة معاً ونبسمل معاً لتكون مباركة، "ميلا" سأسمي هذه الوردة "ملائكة" ولابد كل يوم أن تأتي إليها وتمنحيها الحياة بسُقياكِ لكي تعيش ياحبيتي هل تعدينني بذلك ..؟
"ميلا" : أعدك وسأعتني بها دون أن تخبرني.
-        واحد .. إثنان .. ثلاثة .. هيا سأسبقكِ "ميلا" إلى البيت.
"ميلا" : لن تستطيع اللحاق بي.
-        اه اه اه ... إنكِ سريعة "ميلا".
كنت قد تعمدتُ أنا أصل متأخراً.
-        "ميلا" انتظريني ريثما أعود من السوق، سأجلب لكِ صندوقاً كبيراً من العلب الوردية.
"ميلا" : حسناً سألعب في حديقة بيتكم.
-        "ميلا" "ميلا" "ميلا" .. تعالي لقد عدتُ ومعي العلب الوردية التي تحبينها كثيراً.
-        "ميلا" أين أنتِ ...؟؟؟
-        "ميلا" أين أنتِ ...؟؟؟
-        "ميلا" أين أنتِ ...؟؟؟
-        يا للعجب أين ذهبت "ميلا" لم أتأخر كثيراً ..!!!

أمي ترد قائلة :
-        من "ميلا" هذه التي تناديها ..؟ومن ترك صحن الحساء فوق المنضدة ..؟ومن زرع الوردة ومن يأتي لسُقياها كلَّ يوم ..؟ولمن هذه العلب الوردية في يدك أنا أعرف أنك لاتحب مذاقها الحامض فلمن جلبتها ..؟
-        يا أمي : "ميلا" هي بنت الملائكة. والوردة هي قلبي الخافق بطهارتها، وهي التي تمنحها الحياة بسقياها المقدس.ألا تسمعين عزفها في الحديقة، إنها تعزف سمفونية الحياة، وأنا فقط أسمُعها وأترنم بعزفها.