" مـــيــلائـكة الـفـردوس الـمـفـقـود " حائزة على جائزة وشهادة تقدير ( ۞ نـــاثـر الـــورد ۞ )

20‏/10‏/2012

(((... الــســـمــاء تُــمــطــر عــســلاً ...)))






صيف 2003 تم الإقرار بأنه يعاني من فشل كلوي حاد ولابد من مزاولة الغسيل على الدوام مرتين في الأسبوع يمر الدم عبر الجهاز لتنقيته ومن ثم يخرج ليعود إلى الجسم ولكم أن تتخيلوا هذا العذاب الجسدي والنفسي معاً .. "ألا بحمدلله تشكرون"

 شاب طموح لم يكتفي بالإنصياع لهذه المنغصات رغم سوء الحالة المعيشية فقرر أن يكتسب قوت يومه بعرقه الأليم فعمل في إحدى المحلات الكبيرة ومسبقاً مرتبط بإحدى الجمعيات والتي لازالت على عاتقه وأمن دفع قسطه الشهري من عمله ... "ألا بحمدلله تشكرون"  

مرت الأيام والشهور ولسان حاله يقول : "من بعمري أصبح لديه من زينة الدنيا ماكان ومايكون" ولابد لي أن أبحث عن من ستشاركني الحياة وهنا حدثت ما هو أمر من العلقم وأقسى من صلابة الصخر ... "من هي التي سترضي بي وأنا أعاني ما أعاني من شبح البؤس والجسد المثقل بالألآم ؟؟؟!!!... 
لانريدك أنت فقير ...!!!
 لا نريدك أنت مريض ...!!!
لا نريدك أنت سقيم ...!!!
لا نريدك أنت لا تملك القصور ...!!!
لا نريدك أنت لا تملك مزرعة ...!!!
لا نريدك أنت لا تملك رصيداً في مصارف الأثرياء ...!!!
لا نريدك أنت نذير شؤم لا نريدك أنت عارعلينا ...!!!
لا نريدك أنت لا تملك قوت يومك ...!!!
لا نريدك أنت لاتملك حسن التدبير ...!!!
لانريدك أنت ستسرق الأكسجين التي نتنفسه !!!...
"الطييبين للطيبات" نقطة إنتهى .

ألوووو : "لقد ضقت ذرعاً من هم يتباهون بأنهم يملكون الجاه" أجبته : "شكر الله سعيكم" .

ماذا بعد "سيزاحمنا إستنشاق الهواء الذي نستنشقه " 
من هنا وهناك جمع مالاً لايسعفه لتذكرة سفر بعد أن قرر السفر إلى خارج البلد   لزراعة كلى جديدة بعد أن بحث في البلد فلم يجد التطابق مع كليته لمن أراد أن يتبرع له ... وفي آخر اللحظات تلقيت إتصال منه يبشرني :
"أنا سأسافر لقد حصلت شيك من الخير فاعل"  


قُدت المركبة وفي منتصف الطريق فجأة لم أستطع الرؤية من النافذة الأمامية للقمرة الرئيسية رأيت سرب النحل قد إختارني بطرح العسل في النافذة فأصبحت لزجة لم أصدق ماحدث ركنت المركبة على جانب الطريق وقمت بلعق النافذة فعلاً إنه عسلاً حلواً مذاقه "أمطرت السماء عسلاً" دعوا أموالكم لكم فعندي رب سيرضين "ألا بفضل الله تشكرون



05‏/09‏/2012

(((... مـــــــعـــــانـــــقـــة الأرواح ...))) هدية للجميع أجرها إن شاء الله كالصدقة الجارية




ياويلكم أيها الصبية لقد ألحقتم الضرر بكرم العنب انتظروني سترون ماذا أفعل ـ لم يرى الجميع إلا غبار جرينا ـ ركضت بكل ما أوتيت من قوة وأغلقت على نفسي الباب واختبأت داخل الغرفة ومن خلال خرم الباب أراقب هل سيأتي أم تناسى أمر كرم العنب.

منذ الصباح الباكر ومعي أخواني وأبناء عمي نسابق الغسق ... من الذي سيجمع كمية كبيرة من الليمون ويملأها في الأكياس الخضراء المخصصة لجمع الليمون ، وسيحظى بالمال الكثير ... وحسب ما تمنحنا الأشجار من الثمار بحسب ما نجني الأموال ولو كانت قليلة لكن في ذلك الزمن نراها فرحة كبيرة بكسبنا القليل فشكراً لروحك.
قال لي : اذهب وائتني بأصابع البنات.
ذهبت وجلبت الأصابع وقام الضيوف بشكري ؛ لأني أكرمتهم بأصابع البنات اللذيذة.
(أصابع البنات : نوع من أنواع النخيل ، ولثمرتها مذاق لذيذ جداً وبداية جنيها يتم في بداية تباشير الصيف ، والأرجح في تسميتها بهذا الاسم لشبه ثمرتها بأصابع البنات)
والحمد لله إلى الآن النخلة لا تزال تدر بأجود الأصابع فشكراً لزارعها.

الأرض تموت بموت صاحبها ، وكل حي يحزن لفقده حتى لو كان الحي نبات أو حيوان كذلك قالت الأرواح.

قال تعالى : " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)" صدق الله العظيم.سورة الواقعة.
صوت القارئ المغفور له ـ بإذن الله ـ  عبدالله الخياط
ضغطت على زر الأسهم التي تشير إلى الرجوع للقراءة في مذياع جدي العزيز.بإعادة سماعي لقراءة الشيخ عبدالله الخياط أعانق روحك الطاهرة...
ولمن أراد معانقة الأرواح ما عليه إلا أن يرسل لي رسالة طلب إلكترونية على إيميلي الخاص يكتب فيها اسمه ، وسأبعث له ختمة القرآن الكريم كاملة بصوت القارئ المغفور له بإذن الله : عبدالله الخياط.







13‏/08‏/2012

(((... مــــبــعـــوث الــســمــاوات ...)))



في أربعاء الأسبوع الأول من رمضان الكريم جاءني اتصال من ابن العمة التي تقطن في إحدى المناطق الجبلية :
"أريدك أن تأتيني وتقلني في المركبة بعد صلاة التراويح .."
-فبادرته قائلا: "إن شاء الله سآتيك الساعة لا تقلق".

بعد أن فرغنا من صلاة التراويح توجهتُ مباشرة إلى المركبة ومن بعيد نفثت الإشارات اللاسلكية بجهاز التحكم عن بعد (الريموت كنترول) إلى كل الأبواب فتلقت مستقبلة النفثات فانزلق مزلاج الأبواب وقبضت المقبض فانبجس الباب وعلى إثره دخلت فالقمرة الرئيسة ومن بعدها نقرت المحرك بالمفتاح المخصص لذلك ورميت في صندوق القمرة الرئيسة الهاتف ، وبعد سبع دقائق تقريبا قمت بالسير ببطء مرددا :"باسم الله عليه توكلت" وبدأت أمشي بالمركبة رويدا رويدا وعند نهاية منعطف سكنانا ... وأنا أكاد لا أرى شيئا ؛ من حلكة الظلام الدامس لمحت بطرف عيني شيئا ملقى على الرصيف بعد الخط الأصفر فتسارعت دقات قلبي ... وبدأ عقلي يحيك الأسئلة وينسج الظنون متحيرا ... يا ترى ما ذاك الشيء الملقى ...!!!!!

فما كان مني إلا أن قمت بالضغط على الفرامل بقوة مفرطة ، ووضعت عصى ناقل الحركة في الاتجاه الخلفي وضغطت على مدفعة السرعة التي بها أنبوب التحكم بسائل البنزين ، فوصلت إلى مكان الشيء الملقى على الخط الأصفر ...!!!

في تلك الأثناء بدأت أشعر بنبضاتي الصاخبة كأنها تترامى وسط بحر لج تتقاذفه الأمواج و تلعب به الرياح ... بدأ يزداد قلقي في جوفي وتفقت نبضاتي تقرع طبول الخوف وترتفع كلما اقتربت من المكان وها هو الأدرنالين يسجل أعلى مستويات ارتفاعه لدي خلال هذا العام وأصبحت خطواتي متثاقلة و قدمي لا تسعفني على الاستمرار فكدت أصاب بالإغماء من هول الموقف وعيني عميت أن ترى شيئا من محجرها ...!!!

وبالسرعة القصوى تراجعت وذهبت إلى أهلي عند نقطة التقاءهم ، وهم يقومون باحتساء القهوة ويستمتعون بأكل الفواكه اللذيذة ويجتاحون ما لذ وطاب من الوجبات التي نراها في الشهر الفضيل وهم يتسامرون بالأحاديث.

وصلت عندهم وأنا لا أكاد أن ألتقط أنفاسي وكأني عائد من معركة أجر أذيال الهزيمة من جراءها وقلت لهم :
"هيا .. هيا .. هيا بسرعة تعالوا معي اركبوا المركبة ...؟".

-وهم في صورة الاستغراب الشديد مني- ماذا دهاك ؟؟ وماذا حدث تبدو كأنك تناولت حبوب الهلوسة ...؟؟؟

قلت لهم -وأنا في وضع لا أحسد عليه- :
"رأيت شيئا ملقى عند الخط الأصفر أتوسل إليكم تعالوا معي ...!!!"

وكلهم امتطوا المركبة بسرعة .. فأمسكت المقود وكأني لأول مرة أقود المركبة من هول الموقف ... الذي أشاهده لأول مرة في حياتي.

وصلنا إلى المكان المقصود
وسبحان الله لم يسلك أحد ذلك الطريق إلى أن وصلنا.

تعالت الأصوات وكلهم بهتوا من الموقف ...!!!

وضع من الجهة القادمة شخص ؛ ليستجوب المارة ، وأيضا في الجهة الذاهبة شخص ؛ ليستجوب المارة السالكين للطريق واحتشد الناس من كل حدب وصوب ، ثم تمت إحاطة الملقى بالخط الأصفر لمنع الاقتراب منه ...!!!

وأنا في حالة من الذعر قمت بوضع المركبة بعيدا عن موقع الاحتشاد -قرب منعطف سكنانا-.

وذهبت إلى الشخص الذي يقوم بالاستجواب وكان الشخص المستجوب يرتجف ويرتعد كالسمكة التي أخرجت إلى التو من البحر و بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة مودعة وكان المستجوب يوجه نظراته البائسة إلى الشيء الملقى.

قام عمي بالاقتراب من الملقى واستنكف قائلا : ياهذا ... ياهذا ... ياهذا ... قم ألا تسمع ..؟؟




ولم يتلقى أيتها استجابة فباشر بالاتصال بالطوارئ ... وبعد مضي فترة من الزمن أسعفنا جهاز الإسعاف المتنقل وتلقينا الخبر :
"الشيء الذي قد تم نقله من عند الخط الأصفر إلى المشفى جثة قد فارقت الحياة منذ أكثر من نصف ساعة تقريبا".


الجثة لشاب ثلاثيني من العمر خرج من بيته لممارسة الرياضة وافته المنية عند لحظة خروجي وعندما رأيته –ومثلما يعلم الجميع أن في الليل لا يستطيع المرء أن يتحرى ما يشاهده أمامه- فقط رأيت حذاءه الرياضي فوق الخط الأصفر من الشارع وباقي جسمه ممدود خارج الشارع وكان يرتدي زيا رياضيا يميل لونه إلى القتامة...
اللهم أرحمه وغمد روحه الجنة.


اللهم لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه.
اللهم إني أعوذ بك من شر الحوادث ومن موت الفجأة.
اللهم اختم بالصالحات أعمالي.
اللهم ارحمني فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.
اللهم إني أسألك حسن الخاتمة.









12‏/07‏/2012

(((... إنـشـقـاقـات فـي إسـطـوانـات الـغـاز ...)))






لقد حان وقت الاستمتاع بالمشروب اللذيذ المسجل لإحدى المذاقات العالمية لذة وارتشافه رشفة رشفة ، سأعد هذا المشروب الآن ... وضعت الإبريق فوق الموقد وبمقدار ملعقتين نثرت حبات الشاي اللذيذ وبعض قطع السكر الصغيرة ، وفتحت علبة الهيل التي برائحتها العطرية تقذفني إلى مكان حصاده ،و وضعت القليل منها في القارورة ذات أنف الفيل ، وجئت أشعل نار الموقد بالقداحة فتفاجأت بأنه لايوجد غاز ...!!!

تبعت الأنبوب الذي يصل الموقد بالأسطوانة ولم أجد به أي ثقب ...!!!
 فتوجهت إلى مكان وضع الأسطوانة ، فما لبثت إلا أن وجدت الباب المصفد بالسلاسل والمختوم بقفل متين صلب قد كسر ... والذي أذهلني بأن الأسطوانة المتصلة بالأنبوب موجودة ، ولكن الاسطوانة الاحتياطية هي التي أخذت وبسببها كسر الباب قسرا ...!!!

 لن أرضخ لهذا الظرف الطارئ ؛ لأنني لست مستعدا أن أترك موعد ارتشاف الشاي يذهب سدى ..!!!

توجهت إلى بيت أحد الجيران وبيدي الإبريق وكل العدة اللازمة لإعداد الشاي .
طرقت الباب... المجيب : من عند الباب ...؟

ــ أنا ابن جاركم الذي بجواركم ، هل باستطاعتكم إسداء خدمة لي ...؟

ــ نعم تفضل خيرا إن شاء الله ...!!!

ــ لقد فرغت اسطوانة الغاز وأريد أن أعد الشاي وأعتذر عن الإزعاج المفاجئ ...؟

ــ تفضل البيت بيتكم. ــ شكرا جزيلا هذا من جود إحسانكم. دخلت المطبخ ومن شدة السعادة كدت أطير فرحا ؛لأنني سأحضى بمشروبي الذي كم حلمت بارتشافه ، وضعت الإبريق وجئت أشعل الموقد بالولاعة فأوقفني الذهول في مكاني و عينايا شاخصتان من هول الصدمة عندما أدركت أن الموقد لا يشتعل ...!!!

 فصرخت :" ياجار ياجار لايوجد غاز...!!!"  ما الذي حصل ويحصل ...!!!

 فما كان منا إلا أن تبعنا الأنبوب إلى آخره فلم نجد اسطوانة الغاز ...!!!

نكصت على عقباي فخرجت من بيت الجار وأمام بيتنا وجدت الجميع اجتمع وطلبوا مني العون وعندها اتصلت بالشرطة وأعلمتهم بأنه يوجد (((... إنـشـقـاقـات فـي إسـطـوانـات الـغـاز ...))) ...!!!





01‏/07‏/2012

(((... قـــــلـــوب قــــادمــة مــن جــهّــنـم ...)))



جُلب الكافور والطيب وتم تكفين الجثة ..!!
وسيق عنوة بطفلتيه اللتين لا تكادان تفقهان ما الذي يحدث ؛ لرؤية أباهن قبل أن يواريه الثرى ....وأقيم حفل الزفاف الأخير ..!!

حديث الطفلتين أثناء إلقاء النظرة الأخيرة :

أبي لماذا لا تجيب نحن ابنتاك الحبيبتان إلى قلبك لماذا أنت نائم في هذا الصندوق ..؟
أترك لنا مجالاً كي ننام معك في هذا الصندوق ..؟
أبي متى سنذهب إلى السوق ..؟
ومن سيجلب لنا الحلويات ..؟
ومن سيأخذنا إلى الحديقة ..؟
ومن سيجلب لنا ملابس العيد ..؟
ومن سيقوم بتلبيسنا الأحذية عند الخروج إلى الرحلة الجبلية ..؟
ومن سيقوم بحملنا إلى الفراش عند مشاهدتنا التلفاز في المساء ..؟
ومن سيلاعبنا بجانب البركة التي بقرب الشجرة الكبيرة ..؟
ومن سيقوم بمعاقبتنا عند قطف عناقيد العنب التي لم تنضج بعد ..؟
ومن سيقوم بإعداد الطعام عندما تمرض أمنا ..؟
ومن سيقوم بملاطفتنا عندما تهيل علينا أمنا وابلاً من العقاب..؟
ومن سيذهب بجلب اللبن من عند جدتنا في آخر القرية ..؟
ومن سيقوم بمرافقتنا للذهاب إلى منتزه الملاهي ..؟
ومن سيقوم بمساعدتنا في مذاكرة الدروس ..؟
ومن سيقلنا عند عماتنا العزيزات ..؟
ومن سيقوم بالدفاع عنا عندما نغضب أبناء الحي ..؟
ومن سيقلنا إلى المشفى عندما تمرض إحدانا ..؟
وعدتنا بأنك ستشتري لنا الدراجة ذات الأربع عجلات ..ولم تفي بوعدك إلى الآن ... وها أنت تسترخي ملء جفونك دون حراك... أبتاه ... كيف بمقدورنا الخلود الليلة وأنت بهذا الحال ..؟









اتصال مفاجئ أثناء أداء المراسم (تقرير الكشف للمذكور أعلاه خاطئ) !!!










26‏/06‏/2012

(((... مـــــيــلائـكـة الـفـردوس الـمـفـقـود ...)))



سافرتُ إلى إحدى البلدان المجاورة لأنتقي بعناية شديدة بعض الهدايا المميزة لـ "ميلا". اخترتُ أحلاها وأفضلها بحسب سنها الصغير،واحتفظتُ بها حتى يحين الوقت المناسب لزيارتهم. كنت أنتظر مناسبة هامة أحيي فيها رباطي الخالد بهم. تُذكرت أن دخول السنة قريب، فقررت أن أذهب إليهم يوم الأربعاء مطلع السنة الجديدة.
أخذتُ الهدايا وذهبتُ إلى دار "ميلا". جئتُها بلهفة عارمة تختلج بين الأوردة، وقلتُ في نفسي:ستفرح "ميلا" كثيراً بالهدايا، ولن تنام من شدة سعادتها. عند وصولي الدار رأيت الباب وقد تراكم عليه الغبار، والزهور حزينة بجانبه، ورماد المواقد قد تناثر في الحديقة، والعصافير شاحبة...
- أين ذهب أهل الدار ..!؟
سقطت الهدايا من يدي. كظمت حسرتي واغرورقت عيناي بالدموع...
- أكادُ لا أصدق،ماذا حدث؟ ولماذا لم يخبرني والدها الكريم؟!
- أين ذهبت بهجة نفسي ..؟
- أين ذهبت سعادتي ..؟
كدت أجُن مما حدث. إنها الفاجعه الأليمة. فقدت أغلى شيءٍ في حياتي "ميلا".
"ميلا"، هكذا كان يسمّيها أبوها صاحب الثغر الباسم .. عمرها لم يتجاوز الست سنوات، كانت إحدى هدايا السماء لي، كانت طيراً ملائكياً، تعبق بالطهارة والنقاء، انتشلت أشلائي من وسط الأنقاض والركام ولملمت جراحي ومنحتني أعظم نشوة في الحياة: السعادة والإبتسامة.
- ماذا أفعل ...؟
تهتُ وتاهت أشلائي الملتئمة، سأرجع إلى ذاكرتي المُختنقة، إلى الذكرى التي أكادُ أفقدها من هول المصيبة، حاولت تجميع الأوراق ورسم الخريطة للعثور على طريقة ..!!
وجدت خيطاً من الخيوط المتشابكة الملتصقة بذاكرتي :
(حبوه زوينة) جدة "ميلا" التي تحبها كثيراً، كانت تذهب إليها دائماً وتعود إليَّ بحكاياها الجميلة، تحكي لي غضبها عليها عندما لاتسمع أوامرها، وتقص علي ماترغب من مواقفها الظريفة معها.
نعم سأذهب إليها لعلها تُنقذني وتدلني على مكان وجود "ميلا"،وتخبرني عن سبب رحيلها عن الدار ..؟
ذهبتُ إليها، بيتها بعيد جداً عن دار "ميلا"، قرعتُ الباب برغبة المرتجي،
فتحت لي الباب...؟
انقضضتُ على قدميها وقبلتهما وقلت لها بصوت الباكي المتوجع :
- أين بهجتي أين سعادتي أين ميلا ...؟
انهملت دمُوعها، وقيَّد الصمت بوحها، وأودعه القضبانَ بإحكام، لم أستطع التفكير، كتمتُ أنفاسي،وازداد تغلغل النار في صدري، كادت تحرقني، عدتُ من عندها بخُفَّيْ حُنين.
- لابد أن هناك سبباً لرحيلهم ...!!!
- ماذا أصنع ماذا أفعل ...؟؟؟
تذكرتُ السمكة التي أهدتني إياها "ميلا"، اصطادتها هي وعمها (ناصر) عندما خرجوا في رحله ترفيهية، كانت أجمل هدية من "ميلا"، سأذهب إذن إلى عمها (ناصر)، ولكني لا أعرفه ولا أعرف أين يسكن.
أرى كل الأبواب تُغلق في وجهي وأنا محطم التفكير.
يا له من يوم متعب وحزين سأعود إلى البيت وآخذ قسطاً من الراحة لعل ذاكرتي تستعيد ما تبقى منها.
.........
-        "ميلا" "ميلا" "ميلا" هيا استيقظي سنذهب أنا وأنتِ إلى مزرعتنا الرائعة سأزرع لكِ وردةً بجوار مظلة السعف وسأسميها باسمكِ المقدس، إن لم تستيقظي فسأنتزعُ خصلة من جدائلكِ الكستنائية الجميلة.
"ميلا" : حسناً حسناً سأستيقظ، لقد قطعت نومي،وكنت غارقه في سحابة الأحلام.
-        اذهبي واغسلي وجهك ولاتنسي أيضاً أسنانك إلى أن أنتهي من إعداد الحساء.
عندما فرغت جاءتني تهمس في إذني بنبرة المنزعج: أنا لا أحب الإفطار بتاتاً.
-        أنا أعلم ذلك "ميلا" لكن لابد من تناول وجبة الإفطار ياحبيبتي، سنتناولها معاً وسنذهب إلى المزرعة ومن بعدها سأجلب لك العلبة الوردية من السوق ...!!!
وما إن قلتُ العلبة الوردية حتى فرحت جداً وقالت :
-        حسناً إذن سأتناول الحساء بأكمله.
-        بشرط، لاتخبري أمكِ بذلك.
قالت لي بإبتسامة الطهارة المخبئة بين وجنتيها: أعدك بذلك.
حملت معي الفأس وإصيص الوردة.
-        ساعديني "ميلا" واتيني بالدلو.
"ميلا" :حسناً.
ونحن نمشي إلى المزرعة:
-        "ميلا" هل ترين تلك الحظيرة ..؟
"ميلا" : نعم
-        إنها لي وحدي، وهل ترين تلك الخراف ..؟
"ميلا" وهي واقفة ترى الخرفان مذهولة من كثرتها: نعم.
-        تخيَّري أياً منها وسأهديكِ إيَّاه.
اعتلاها الفرح وكادت تنسى الدلو وهي تغرق النظر في الخرفان.
-        آسف حبيبتي "ميلا" أخشى أن أكون قد أتعبتكِ بحمل الدلو.
"ميلا" : لاتخشى شيئاً إنه خفيف وأنا أقدر أن أحملك أنت.
كدتُ أستلقي على الأرض من كثرة الضحك:
-        أنتِ تحملينني ..!!!
لازلتِ صغيرة ولاأظنك سوف تحملينني حتى عند الكبر.
ميلا بصوت العناد :
-        أستطيع بل أستطيع أكثر من ذلك.
-        لقد تأخرنا هيا يا "ميلا" أريد أن أحضر لكِ العلبة الوردية عندما ننتهي.
وصلنا إلى مظلة السعف التي عقدت النيه على زرع الوردة بجوارها.
-        "ميلا" انظري إلى تلك البركة، هل تستطيعين أن تملئي الدلو حتى أنتهي من الحفر ..؟
-        "ميلا" : نعم نعم إنه أمر بسيط للغاية.
-        "ميلا" تعالي حان وقت وضع الوردة في الحفرة سنحمل الوردة معاً ونبسمل معاً لتكون مباركة، "ميلا" سأسمي هذه الوردة "ملائكة" ولابد كل يوم أن تأتي إليها وتمنحيها الحياة بسُقياكِ لكي تعيش ياحبيتي هل تعدينني بذلك ..؟
"ميلا" : أعدك وسأعتني بها دون أن تخبرني.
-        واحد .. إثنان .. ثلاثة .. هيا سأسبقكِ "ميلا" إلى البيت.
"ميلا" : لن تستطيع اللحاق بي.
-        اه اه اه ... إنكِ سريعة "ميلا".
كنت قد تعمدتُ أنا أصل متأخراً.
-        "ميلا" انتظريني ريثما أعود من السوق، سأجلب لكِ صندوقاً كبيراً من العلب الوردية.
"ميلا" : حسناً سألعب في حديقة بيتكم.
-        "ميلا" "ميلا" "ميلا" .. تعالي لقد عدتُ ومعي العلب الوردية التي تحبينها كثيراً.
-        "ميلا" أين أنتِ ...؟؟؟
-        "ميلا" أين أنتِ ...؟؟؟
-        "ميلا" أين أنتِ ...؟؟؟
-        يا للعجب أين ذهبت "ميلا" لم أتأخر كثيراً ..!!!

أمي ترد قائلة :
-        من "ميلا" هذه التي تناديها ..؟ومن ترك صحن الحساء فوق المنضدة ..؟ومن زرع الوردة ومن يأتي لسُقياها كلَّ يوم ..؟ولمن هذه العلب الوردية في يدك أنا أعرف أنك لاتحب مذاقها الحامض فلمن جلبتها ..؟
-        يا أمي : "ميلا" هي بنت الملائكة. والوردة هي قلبي الخافق بطهارتها، وهي التي تمنحها الحياة بسقياها المقدس.ألا تسمعين عزفها في الحديقة، إنها تعزف سمفونية الحياة، وأنا فقط أسمُعها وأترنم بعزفها.